مَا لَا يَسَعُ الطَّالِبَ جَهْلُهُ (2): السُّلَّمُ التَّعْلِيْمِيُّ لِدِرَاسَةِ الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ

بقلم: محمد فصيح الدين

الحمد لله الذي يفقِّه في الدين، والصلاة والسلام على محمدٍ الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعدُ، فإن هذه الرسالة تصدُر لاستمرار البحث الذي مَضَى. وهي سلسلةٌ من سلسلات العنوان “مَا لَا يَسَعُ الطَّالِبَ جَهْلُهُ”. فمرادي ومقصودي من هذه الرسالة سوف أبيِّن للقراء بحثًا موضوعيًّا عما يتعلق بدراسة المذهب، خاصةً دراسةَ المذهب الشافعي الذي هو مذهبٌ أساسيٌّ عم تَمَذْهُبُه من العوامّ والخواصّ في إندونيسيا. وقد كَثُرَ طلابُ العلم بأخذ هذا المذهب في الفقه والعمل

ومن المعلوم، أن هذا المبحث يقصد لطلاب العلم الذين يريدون دراسةَ المذهب الشافعي، ولم يعرفوا كيف طريقتها؟ وما الكتب التي لا بد من تعلُّمِها؟ وما مراحِلها؟ فسأبحث ذلك واضحا جليا بسيطا لجواب تلك الأسئلة بعضِها من بعض

فلا بد أن نعلم، أن المرء لا يُولَد عالما، وإنما العلم بالتعلم. والمراد بالتعلم هنا: تكلُّف المرء لمعرفة الشيء. فإن عرف، عَلِم. والتكلف يستلزم الخطوات العلميةَ بدون المباشرة. وفي دراسة المذهب الشافعي -التي غرضُها معرفةُ المذهب نصًّا واستنباطا- مراحلُ التي يسلُكُها الطالبُ. وهذه المراحلُ ليست بتوفيقيٍّ، ربما نَهَجَ كلُّ .الشيخ منهجًا لطلابه. والمراحل التي أبيِّنُها هنا قد حَرَّرْتُها وبحثْتُها ولَاحظتُها لتكون مراحلَ أساسيةً لا ينبغي على الطالب جهلُها وغفلُها. منها

الأولى: فهمُ المذهب الأساسي. وفي هذه المرحلة، لازمٌ على كل الطالب أن يتعلَّم ويدرُسَ علمَ المذهب الأساسي. ويُعرَف بوسيلة المتون المختصرة التي قَصَدَها المصنفُ تأليفًا للمبتدئ ليعُمَّ نفعُها ويسهل حفظُها. فإن معرفةَ المذهب الأساسي من المتون المقررة هي أهم المراحل التي لا يجوز غفلُها. والغرض: إِنباتُ وإثبات صور المسألة الأساسية في الذهن لتكون مأخذا في التمذهب. والكتب الأساسية كثيرة جدا، لكن مع إرشاد وإشراف الشيخ ليكون فهمُه صحيحا. ومن أشهر كتبها:

  1. الرسالة الجامعة والتذكرة النافعة، للحبيب أحمد بن زين الحبشي.
  2. سفينة النجاة في ما يجب على العبد لمولاه، للحبيب سالم بن سمير الحضرمي.
  3. متن الغاية والتقريب، للقاضي أبي شجاع.
  4. متن الستين مسألة، للشيخ أحمد بن محمد بن سليمان الزاهد المصري.
  5. صفوة الزبد، للشيخ ابن رسلان الرملي. فيه منظومة بسيطة في المذهب الشافعي الأساسي لمن يريد تكملة العلم بحفظها.

الثانية: فهمُ تصوير المسألة البسيطةِ. فإن كان الطالب قد رَحَلَ إلى المرحلة الأولى -وهي فهم المذهب الأساسي- وعَلِمَ الأساسَ والعمودَ، فتَرَقَّى إلى السُّلَّم الآتي، وهو فهمُ تصوير المسألة البسيطة. فيقتصر في هذه المرحلة على تصوير المسائل تصويرًا صحيحًا وبيانِ الفرق بين المسألتين المتشابهين من حيث الصورةُ كما يُنَبِّهُ على بعض المحترزات. والغرض: معرفة الطالب تصويرَ المسألة التي لا توجد في كتب المتون المختصرة، بل إنما توجد في كتب الشرح غالبا والمتون الدقيقة. ومن أشهر كتبها:

  1. فتح القريب المجيب، للشيخ ابن قاسم الغزي. وهذا لمن بدأ الدراسة بكتاب “متن الغاية والتقريب”.
  2. الياقوت النفيس في مذهب ابن إدريس، للعلامة عمر بن أحمد الشاطري.
  3. المقدمة الحضرمية في فقه السادة الشافعية، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بافضل. وهذا لمن بدأ بكتاب “سفينة النجاة” على طريقة الحضرموت غالبا.
  4. منهج الطلاب، للشيخ زكريا الأنصاري.
  5. منهاج الطالبين، لمحيي الدين النووي. وأُلَاحِظُ هنا: أن الطالب إذا أراد أن يدرُسَ هذا الكتاب، يلزم على إشراف الشيخ، لأن هذا الكتاب -ولو متنا مختصرا- يحتوى على المسائل الدقيقة التي لا يفهمُها الطالبُ إلا بمرافقة الشيخ. والشيخُ عميقٌ وعالمٌ بهذا الكتاب.
  6. قُرَّةُ العين بمهمات الدين، للشيخ زين الدين الملبيباري.

الثالثة: فهم الدليل والتعليل. فإن عَلِمَ المسألةَ الفقهيةَ من حيث الصورةُ إجمالا، تَرَقَّى الطالبُ إلى فهم الدليل والتعليل. ويعتني في هذه المرحلة ذكرُ دليل المسألة وتعليلِها ووجهِ الدلالة منه، إذا كانت خفيةً. والغرض: معرفتُها على الطالب، لتكون أساسا في بحثٍ عميقٍ يدخل على منهج المذهب. ومن أشهر كتبها:

  1. كفاية الأخيار في حَلِّ غاية الاختصار، للشيخ تقي الدين الحصني. وهذا لمن تعلم بكتاب “فتح القريب المجيب”.
  2. الإقناع في حَلِّ ألفاظ أبي شجاع، للخطيب الشربيني. وهذا لمن تعلم بكتاب “متن الغاية والتقريب” و”فتح القريب المجيب”.
  3. فتح المعين بشرح قرة العين، للشيخ زين الدين الملبيباري. وهذا لمن تعلم بكتاب “قرة العين” أو “فتح القريب المجيب”.
  4. فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، للشيخ زكريا الأنصاري. وهذا لمن تعلم بكتاب “منهج الطلاب”.
  5. كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين، للشيخ الجلال المحلي. وهذا لمن تعلم بكتاب “منهاج الطالبين”.
  6. نهاية الزين في إرشاد المبتدئين، للشيخ نووي الجاوي. وهذا لمن تعلم بكتاب “قرة العين”.
  7. المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية، لابن حجر الهيتمي. وهذا لمن تعلم بكتاب “المقدمة الحضرمية”.
  8. مُؤْنِس الجليس بشرح الياقوت النفيس، للشيخ مصطفى عبد النبي. وهذا لمن تعلم بكتاب “الياقوت النفيس”.
  9. التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب، للشيخ مصطفى ديب البغا. وهذا لمن تعلم بكتاب “متن الغاية والتقريب” أو “فتح القريب المجيب”.

الرابعة: فهم استخراج الأدلة مع ذكر الأقوال المختلفة. فإن فَهِمَ الدليل والتعليل البسيطَيْنِ من كتب الشرح، تَرَقَّى الطالبُ إلى فهم استخراجهما. فلازمٌ عليه أن يقرأَ ويدرُسَ كُتُبَ الحواشي العميقِ بحثُها، والدقيقِ فهمُها، لا يعلَمُهَا إلا الطالبُ المُنْتَهِي. فإذَنْ، يُشترط في هذه المرحلة المَلَكَةُ الفقهيةُ والجودةُ الإدراكيةُ على كل طالبٍ ليستفيدَ إفادةً في استخراج الأدلة وفهمِ الأقوال المختلفة. والغرضُ: منشأُ الفكر وترقيتُه من غير تعسف في التمذهب مع ورود الأقوال المختلفة، وتطبيقُ منهج المذهب من السائل الفروعية. ومن أشهر كتبها:

  1. حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم، للشيخ الباجوري. وهذا لمن تعلم بكتاب “فتح القريب المجيب” أو “كفاية الأخيار”.
  2. تحفة الحبيب على شرح الخطيب (حاشية البجيرمي على الخطيب)، للشيخ البجيرمي. وهذا لمن تعلم بكتاب “الإقناع”.
  3. إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، للشيخ عثمان بن شطا البكري. وهذا لمن تعلم بكتاب “فتح المعين.”
  4. فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (حاشية الجمل)، للشيخ سليمان الجمل. وهذا لمن تعلم بكتاب “فتح الوهاب”.
  5. التجريد لنفع العباد (حاشية البجيرمي على شرح المنهج)، للشيخ البجيرمي. وهذا لمن تعلم بكتاب “فتح الوهاب”.
  6. حاشيتا قليوبي وعميرة، لهما. وهذا لمن تعلم بكتاب “كنز الراغبين”.
  7. مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للخطيب الشربيني. وهذا لمن تعلم بكتاب “منهاج الطالبين”.
  8. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لشمس الدين محمد الرملي، معه حاشية الشبراملسي وحاشية المغربي الرشيدي. وهذا لمن تعلم بكتاب “منهاج الطالبين”.
  9. تحفة المحتاج في شرح المنهاج، لابن حجر الهيتمي، معه حاشية الشرواني وحاشية ابن قاسم العبادي. وهذا لمن تعلم بكتاب “منهاج الطالبين”.
  10. مَوْهِبَةُ ذي الفضل على شرح العلامة ابن حجر (حاشية الترمسي)، له. وهذا لمن تعلم بكتاب “المنهاج القويم”.

الخامسة: فهم الخلافيات في المذهب. فإن عَلِمَ دراسة المذهب الشافعي من حيث استخراجُ الأدلة وذكرُ الأقوال والوجوه المختلفة، تَرَقَّى إلى فهم الأقوال مع الأدلة والتعليلات المختلفة في المذهب. وغالبا، تُقَارَنُ مع قول المذهب الآخر ليَعرف الطالبُ خلافًا أساسيا بين المذهب الشافعي وغيره. والغرض: ترقية الملكة الفقهية وتوسعةُ الفكر في التمذهب. ومن أشهر كتبها:

  1. المجموع شرح المهذب، لمحيي الدين النووي مع تكلمة السبكي والمطيعي.
  2. الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، للماوردي.
  3. البسيط في المذهب، لأبي حامد الغزالي، مع “الوسيط”، و”الوجيز”.
  4. نهاية المطلب في دراية المذهب، لأبي المعالي الجويني؛ إمام الحرمين.
  5. مختصر المزني في فروع الشافعية، للمزني.
  6. الأم، للإمام الشافعي؛ وهو إمام المذهب.

ومن الملاحَظة: أنه لا يمكن على كل طالبٍ دراسةُ المذهب الشافعي بمجرد كتاب “الأم”، لأن هذا الكتاب كالقرآن في المذهب التي لا يَقدِرُ على كل شخصٍ فهمُه إلا بوسيلة الكتب من الأصحاب. فدراسةُ “الأم” هي للطالب المنتهي.

فبهذه المراحل -على سبيل الترتيب-، يكون الطالبُ قد أتقن دراسةَ المذهب الشافعي الذي يريد التمذهب عليه. ثم بعد إكماله السلمَ التعليميَّ في الفقه -وكذا، في أصول الفقه-، يحتاج إلى القراءة والدراسة في كتب تخريج الفروع على الأصول حتى يعرفَ مداركَ الخلاف منهجيًّا صحيحا. والله أعلم بالصواب. مالانج، 14 صفر 1444 هـ / 11 سبتمبر 2022 م.